تقبل النقد ورفضه
لماذا يقبل البعض النقد – ولماذا يرفضه البعض الآخر وهم كثرة ؟ من البداية بمكان أن الانسان إذا أخطأ أو أصيب بعيب أو نقص ما , لا يحب أن يطلع على خطأه وعيبه ونقصه احد .. إنه يريده مستورا حتى لا يظهر في اعين الناس أدنى أو أصغر مما عرفوه ... تلك طبيعة الإنسان ونفسيته ولأجل تفادي هذه الحالة , يتخذ الإنسان أحد طريقتين : إما أن يحاول التستر على العيوب والأخطاء والنقائص ما أمكن , وإما أن يربي ويروض نفسه على تقليص الأخطاء ما امكن , وهو الأفضل , ففي الحالة الأولى , كما يقول الشاعر : ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى عن الناس تُعلم واما الثانية فالذي ليس لديه في السر ما يخافه في العلن هو في حالة امن وسلام نفسي مستتبة . التهرب من النقد – والحال هذه – لايمكن أن يطول , فهل يعقل أن لا ترى وجهك في المرآة لعدة أيام , وحتى لو أجلت النظر فيها , فإن ذلك سوف لن يلغي أو يعطل وظيفتها في الكشف عن محاسنك او مساؤك , وقد يستغني الانسان – ذات يوم – عن اشياء كثيرة , لكنه لن يستغني عن المرآة , فهي ليست صديقة المرأة فقط , بل رفيقة الرجل أيضا . إن نظرة الآخرين الينا هي محط إعتبارنا وموضع إهتمامنا لأننا كثيرا ما نستمد نظرتنا الى أنفسنا من خلال نظرة الآخرين إلينا , وهذا هو السبب في الطلب منهم أن يعطونا رأيهم فيما نعمل وننتج ونكتب ونمارس من نشاطات ونقيم من علاقات . ونحن إذ نطالب بالنقد نريد المنصف المتوازن منه , أي ما بين الإيجابي ويكشف السلبي في الوقت ذاته , لأنه ذو اهمية بالغة في بناء شخصيتنا وتطوير أدائنا , فإذا تغيرت النظرة الى النقد على انه (علاقة حب) وإرادة خير , وتغيرت النظرة الى الناقد على أنه (محب مخلص) مريد للأصلاح , وليس معنفا أو مؤنبا أو طالب ثأر أو متسقطّا للعثرات أو هاويا للملاحظات , عندها نتقبل النقد ونقبل عليه , بل هناك من يستفيد من نقد الناقد حتى ولو لم يكن قاصدا الإصلاح لأنه لا يبرئ نفسه من العيب , ولعل في ذلك النقد ما يهديه الى الصواب وسواء السبيل . ليستحضر كل منا الحالات التي انتقد فيها بحب وإخلاص , ويرى مدى تأثيرها فيما تلا ذلك النقد من محاولات وإبداعات ومواقف , هذا على صعيد التقبل الذاتي للنقد . أما على صعيد الآخر الذي انتقد فهناك أربع أسئلة يمكن أن أطرحها على نفسي قبل أن انتقده : 1- هل أنا عار عن الخطأ الذي أنتقده عليه , أم إنني ملتبس به ؟ 2- لماذا أنتقده ؟ لشفاء غيظ والحط من شأنه , ام للأصلاح والتقويم ؟ 3- كيف يمكنني أن أساعده على تغيير ما هو فيه أو عليه ؟ 4- بأي إسلوب أقدم له نقدي , وعلى أيّ طبق ؟ فعلى مدى الصدق في الإجابة عن هذه الأسئلة الأربع يمكن تحديد إستجابة الآخر للنقد , يقول (إبراهام لنكولن) : (الشخص الوحيد الذي يحق له أن ينتقد وهو الشخص الذي لديه قلب للمساعدة) , فهو لا يشخص (المرض) بل يصف (الدواء) أيضا . وبالتالي , فإنك إذا اعتبرت أن من حقك أن تنقد الآخر , فلم لا تعطيه الحق نفسه أو مثله لتحقق المعادل الموضوعي وتحدث التوازن النقدي المطلوب ؟! إن إعترافي وإقراري أن نفسي ليست مقدسة ولا معصومة ولا بريئة ولا نزيهة ولا مزكاة , لا يخلق لي المبرر في إرتكاب الآخطاء , بل يجعلني حريصا على عدم الوقوع في الخطأ ما استطعت , وعلى تفاديه وعلى الإفادة من اخطائي السابقة , بل وتقبل ما يسدى ويهدي إلى من نقد , لأن ذلك هو طريقي للأرتقاء بنفسي , ونقلها نقلة نوعية وليكون غدي وما بعده أفضل من ساعتي ويومي .